قراءة لوضع إيران الداخلي والإقليمي قبيل الإنتخابات البرلمانية ومجلس خبراء القيادة
المركز الأحوازي للإعلام والدراسات الإستراتيجية
غيرت عاصفة الحزم الكثير من المعادلات والتوازنات الدولية و الإقليمية وحتى الداخلية لإيران. في الوقت الذي بدأ التوافق على ملف إيرن النووي يجعلها، دولة بعيدة عن القنبلة الذرية ويخضع منشاتها النووية ومنظومتها الصاروخية تحت المراقبة الدولية المشددة، أصبح مشروع إيران التوسعي يتقهقر ويتراجع في المنطقة العربية بشكل ملحوظ بفعل ضربات “عاصفة الحزم” التي قام بها الحلف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين وجماعة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في اليمن.
فشل إيران في الساحة الإقليمية وعدم تحقق أهدافها النووية، جعل الصراع داخل النظام يشتد على مصراعيه بين التيارات والمجموعات السياسية والعسكرية ويحمل كل طرف الآخر ما آلت اليه الأمور اقتصاديا وأمنيا وسياسيا في الساحة الداخلية، وعزلة إيران وفشلها إقليميا ودوليا.
في تصريح الأول من نوعه ضد الرئيس الايراني حسن روحاني ومن أجل تشويه سمعته وتصفيته سياسيا قال حسن عباسي عضو الحرس الثوري الإيراني وناشط سياسي ومحاضر في الجامعات الإيرانية: “ أن الرئيس الايراني الحالي حسن روحاني قد ألتقى بشكل سري، الإسرائيلين عام ١٩٨٦ في فندق باريزن في باريس، قبل عامين من إنتهاء الحرب الإيرانية العراقية وتحدث معهم ضد الإمام الخميني”. وحسب ما نقل عباسي في محاضرته في جامعة أمير كبير بطهران وامام جمع من الطلاب “إن روحاني في ذلك الإجتماع السري انتقد الدول الغربية، لمرونتهم تجاه الخميني وطالبهم بفرض المزيد من العقوبات والضغوط عليه”. وأعتمد عباسي على التقارير التي نشرتها وكالات الأنباء الإسرائيلية عام ٢٠١٣ وذكرت تلك التقارير كان مع روحاني في ذلك الإجتماع عضوان في مجلس الشورى الايراني وأمريكي مستشار لرئيس الوزراء الاسرائيلي لشؤون الارهاب حيذاك.
وتصاعدت هذه الأيام وتيرة الهجوم المباشر في وسائل الإعلام الموالية للمرشد الاعلى خامنئي، ضد هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام وهو ثاني شخصية مؤثرة بعد خامنئي داخل النظام الإيراني. يأتي هذا التصعيد غير المسبوق بعد أن وجه هاشمي رفسنجاني إنتقادات لاذعة للتيار المحافظ وتعاملهم مع القضايا الداخلية والأقليمية والدولية. وإستشهد رفسنجاني بأحاديث للخميني وأخرى لعقيلته تتعلق بدور رفسنجاني ومكانته في النظام وقضايا تتعلق بضرورة تأسيس الأحزاب في إيران. وأحاديث أخرى تتعلق بضرورة تبديل منصب الولي الفقيه -المرشد- إلى مجلس قيادي، تلقت هذه التصريحات رفضا شاملا من قبل التيار المحافظ ومن قبل الحرس الثوري الإيراني وإعتبروا تصريحات هاشمي رفسنجاني وآرائه المتعلقة بأزمات إيران الداخلية و الخارجية بإنها تخدم أعداء النظام الإيراني. و قال رفسنحاني في تصريح له لوكالة إيسنا الطلابية للأنباء: “ ان البعض يعتبر المصيبة الكبرى في إيران هي عدم رعاية الحجاب (عدم إرتداء الشادور) بشكل كامل من قبل بعض الفتيات، ويتناسون إن المصيبة الكبرى في إيران هي قضايا أكبر من قضية الحجاب، مثل السجون، والظلم، والقمع والحقوق التي سلبت من الناس.”
هذه التصريحات التي تعتبر نارية وتطورا خطيرا في العلاقات بين التيار المحسوب على المرشد من جهة والتيار المحسوب على الاصلاحيين من جهة أخرى، واجهها التيار المحافظ بشكل عام والحرس الثوري (باسداران) بشكل خاص بتصريحات وردود فعل قوية ضد رفسنجاني وتياره. قال محمد علي جعفري، القائد العام للحرس الثوري الايراني في إشارة واضحة لرفسنجاني: “ إن البعض يعتبر نفسه رفيق للإمام الراحل (الخميني)، لكن جهوده تصب في إيقاف حركة الثورة في إيران”. وهاجم الموقع الألكتروني التابع لمصباح يزدي وهو من التيار المحافظ والمقرب لخامنئي، في إشارة واضحة لرفسنجاني وردا لتصريحه حول السجون والقمع في إيران، قائلا: أخذ الرشوة من المصانع الاجنبية الكبرى بهدف نهب أموال بيت المال الإيراني، والوقوف إلى جانب المثلث الاميركي البريطاني الاسرائيلي في أيام الفتنة هي المصيبة الكبرى وتعد خيانة وضياع لحقوق الشعب، في إشارة إلى إحتجاجات عام ٢٠٠٩ على أثر تزوير الإنتخابات الرئاسية لصالح أحمدي نجاد والذي ساند رفسنجاني في ذلك الوقت المرشحين للرئاسة مير حسين موسوي ومهدي كروبي الذان يقبعان منذ ذلك الوقت تحت الإقامة الجبرية.
هذه التصريحات من قبل جناحي المتصارع على السلطة في إيران إن دلت على شئ فهي تدل على عمق المشاكل وفقدان الثقة بين الطرفين.وتدل على أزمات إيران السياسية ومسقبل النظام الغامض في ظل الأحداث الداخلية والإقليمة في ساحات العراق وسوريا واليمن والإخلاف على طريقة التعامل معها وأولويات كل تيار لقضايا إيران الداخلية والخارجية. ويعتبر ملف إيران النووي من أهم القضايا الخلافية بين التيارين وطريقة التعامل مع الغرب في هذا الشأن.
يتطور الصراع داخل النظام الإيراني يوما بعد يوم ويتخذ منحا خطيرا. وتكمن خطورة الصراع الداخلي للنظام إنه تحول من صراع مابين التيار الواحد داخل النظام الذي كان يقوده الخميني ومن ثم خامنئي ومابين معارضي وهم خارج صفوف النظام. وبعد وصول محمد خاتمي لرئاسة الجمهورية في إيران عام ١٩٩٧ بدأ التصدع داخل النظام وأنقسم مابين محافظ ومابين إصلاحي بقيادة محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني. لم يتحمل النظام التيار الإصلاحي داخله وقام بتصفيته بشكل كبير وأدخل السجون وزراء ونواب برلمان. ولم يسلم حتى مدير مكتب الرئيس محمد خاتمي ومستشاره أبطحي ودخل السجن لأرائه وموقفه من الجناح المحافظ. لم يختصر الصراع على السلطة على جناحي المحافظ والإصلاحي، بل أنشق الجناح المحافظ على نفسه في الفترة الرئاسية الثانية لأحمدي نجاد. يعد هذا الصراع داخل الجناح المحافظ، تمرد على خامنئي وأوامره التي كانت تنفذ دون نقاش داخل الجناح المحافظ.
تشهد الساحة الداخلية الإيرانية هذه الأيام إحتداما خطيرا داخل النظام، بعد أعلن حفيد الخميني “حسن الخميني” نيته لخوض الإنتخابات مجلس خبراء القيادة، وأعتبر الجناح المحافظ المسيطر على كل مفاصل الحياة السياسية والإقتصادية وأمنية و.. في إيران تهديدا مباشرأ لسطوته الشاملة. وقد بدأت مضايقة الخميني الحفيد وتهديده بالقتل اذا ما إنسحب من ترشحه للإنتخابات. وفتح جناح المحافظ معركة جديدة ضده وهي الشكوك في أهليته بالجتهاد الفقهي وهو من الشروط اللازمة لدخول مجلس خبراء القيادة.
بعد الخسائر العسكرية والسياسية التي واجهتها إيران في المنطقة العربية خاصة في سوريا واليمن. وتعثر النظام في تطبيق بنود الإتفاق النووي والتلويح بفرض عقوبات جديدة عليه من جهة وعدم رفع كل العقوبات السابقة حتى الان من جهة أخرى، تصاعد الوعي والنضال في ساحة الشعوب المحتلة من قبل إيران، دخول إيران بعزلة إقليمية جديدة بعد إعتداءاتها على السفارة السعودية وقنصليتها بمشهد، أزمة إلإتفاق على خليفة لخامنئي وهي تعد أم الأزمات داخل النظام، كل هذه الإستحقاقات المهمة تجعل من الإنتخابات البرلمانية ومجلس خبراء القيادة في إيران المزمع إجراءها في شهر فبراير المقبل، أمرا غير عاديا، وبالتالي الخروج من الأزمات الداخلية والعزلة الإقليمة من التحديات الكبرى التي تواجه طهران في الفترة المقبلة.
فهل تستطيع إيران معالجة تلك التحديات أو تستمر بسياساتها القمعية داخليا والعدوانية إقليميا؟. الأمر ستكشفه الايام المقبلة، لكن خلفية النظام وعقليته المليشياوية وطبيعته القمعية داخيا والتوسعية إقليميا ستجعل منه يتخبط في مكانه ولا نور يلوح بالافق في نفقه المظلم.
No comments:
Post a Comment