بقلم: عبد الواحد الجصاني
|
أولا : خلاصة تمهيدية
في الثاني من كانون الأول/ديسمبر 2015 أصدر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية السيد (يوكيا امانو) تقريره النهائي عن الأبعاد العسكرية في برنامج ايران النووي. وفيه وضعتقييم الوكالة النهائي الذي يقول إن ايران كانت منذ اواخر الثمانينات منخرطة في برنامج واسع ومنظّم يهدف الى انتاج السلاح النووي ووسائل إيصاله، وجاء هذا التقرير بعد أن اتفقت الوكالة وايران في 14/7/2015 على خارطة طريق طلب فيها من ايران أن تجيب على المعلومات التي لدى الوكالة بشأن المسائل المعلّقة المتعلقة بالأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامجها النووي، لكن المعلومات التي قدمتها ايران كانت كاذبة وتبريرية ونافية أي تورط في برنامج نووي عسكري.
وكانت إيران تأمل ان تغلق الوكالة هذا الملف الحسّاس لإن دبلوماسييها (وزير الخارجية جواد ظريف وفريقه) أفهموا قيادتهم إن التنازلات التي قمتها ايران الى مجموعة (5+1) لتحجيم البرنامج النووي الايراني الحالي كان ثمنها المقابل هو غلق ملف المسائل المعلقة، وهو الملف الذي يسبب قلقا كبيرا لإيران لإن كشف الحقائق بشأنه سيكشف للعالم إن (فتوى) مرشدها كاذبة وأن الفتوى كانت من أعمال (التقية) التي لا قيمة له، إضافة الى ان الفقدان التام لمصداقية اعلانات ومواقف ايران الرسمية.
ثانيا : تاريخ وأبعاد برنامج ايران لصنع القنبلة النووية
1 - بعد هزيمتها في الحرب الحرب العراقية الإيرانية سعت ايران لإمتلاك السلاح النووي، ساعدها في ذلك تفكك الإتحاد السوفيتي وسهولة شراء التقنيات والمواد النووية من السوق السوداء، إضافة الى المعونة الجوهرية التي تلقتها من صانع القنبلة النووية الباكستانية عبد القدير خان. وسكت الغرب عن برنامج ايران النووي لإنه كان مهتما بالتحالف مع إيران من أجل إحتلال العراق. وبعد إحتلال العراق قدمت الولايات المتحدة ودول اخرى (أكثر من عشر دول) معلومات عن أنشطة سرية تقوم بها ايران لصنع سلاح نووي، بضمنها تكييف صاروخ (شهاب3) لحمل الرأس النووي، إلا أن ايران نفت بشكل قاطع هذه المعلومات.
2 - نتيجة تعنّت ايران ورفضها التعاون في كشف حقيقة برنامجها النووي السري، صدرت خلال الأعوام 2006-2010 مجموعة قرارات من مجلس محافظي الوكالة ومن مجلس الأمن (ست قرارات من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من الميثاق) تطالب ايران بتجميد انشطتها النووية الحالية والتعاون مع الوكالة بشأن الابعاد العسكرية المحتملة لبرنامجها النووي السابق. إلا أن ايران فضلت تحمّل العقوبات التي فرضتها تلك القرارات لإنها تخشى كشف الحقيقة عن الأبعاد العسكرية لبرنامجها النووي، إضافة الى رفضها تجميد أنشطتها القائمة وخاصة في مجال تخصيب اليورانيوم وإنشاء مفاعل يعمل بالماء الثقيل.
3 - أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تشرين الثاني/نوفمير 2011 تقريرا شاملا عن أهداف وابعاد البرنامج النووي العسكري الإيراني (التقرير معروض في صفحة الوكالة على الإنترنت تحت الرقم ""GOV/2011/65) وتضمن التقرير (12) مسألة معلقة توفرت لدى الوكالة معلومات تفيد بإنخراط ايران فيها ضمن مشروع لإنتاج القنبلة الذرية، وطلبت من ايران الإجابة عليها وهي:
· هيكل ادارة برنامج ايران النووي العسكري.
· أنشطة المشتريات (بضمنها معدات لتطوير جهاز متفجر نووي وأخرى لتخصيب اليورانيوم).
· حيازة المواد النووية.
· المكونات النووية للأجهزة المتفجرة.
· تطوير المفجّرات النووية.
· إطلاق المواد شديدة الإنفجار والتجارب المرتبطة بذلك.
· التجارب الهيدروديناميكية لمحاكاة تجربة نووية في موقع (بارشين).
· النمذجة والعمليات الحسابية لقلب جهاز نووي.
· المطلق النيوتروني لعنصر يحتوي على مواد نووية.
· اجراء الاختبارات على جهاز مطلق نووي.
· تحوير صاروخ (شهاب3) لإستيعاب رأس نووي.
· نظام الصهر والتسليح والإطلاق لصاروخ بحمولة نووية.
4 - واصلت ايران تجاهلها لطلبات الوكالة بتقديم تفسيرات عن برامجها السابقة، وعملت بذات الوقت على تضخيم انجازات برنامجها النووي القائم : تشغيل طاردات جديدة بقدرة تخصيب عالية وزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب ومواصلة العمل في بناء مفاعل (آراك) الذي يعمل بالماء الثقيل، إضافة الى اجراء التجارب على انواع جديدة من الصواريخ.
5 - سعت إيران الى الإلتفاف على قرارات مجلس الأمن والوكالة من خلال طلب التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة للوصول الى اتفاق ثنائي حول ملفها النووي، وأبلغت الولايات المتحدة، عبر اكثر من وسيط وعبر الإتصال المباشر في محادثات مسقط في عُمان، أنها مستعدة لتقديم ضمانات موثقة بعدم صنع القنبلة النووية، مقابل عقد إتفاق مع أمريكا حول تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، إلا أن الولايات المتحدة رفضت هذا العرض، وأصرت على تنفيذ قرارات مجلس الأمن. (أنظر مقال بدر الدين كاشف الغطاء : ولاية الفقيه تعرض على امريكا تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط في 23/10/2013).
6 - إضطُرّت إيران، تحت ضغط عقوبات مجلس الأمن وأزمتها الإقتصادية المستفحلة وتفاقم الأوضاع الداخلية فيها، الى التفاوض مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وألمانيا (مجموعة 5+1) للإتفاق على تحجيم برنامجها النووي الحالي والتخلي عن حقوق اساسية لها بموجب معاهدة عدم إنتشار السلحة النووية مقابل تخفيف العقوبات عنها. وبدأت هذه العملية في اتفاق 24/11/2013 بين مجموعة (5+1) وايران على خطة العمل المشتركة وإنتهت في 14/7/2015 بالإتفاق على خطة العمل المشتركة الشاملة التي اعتمدها مجلس الأمن بقراره 2231 في 20/7/2015.
خطة العمل المشتركة الشاملة تضمنت الرفع التدريجي للعقوبات التي فرضت على ايران بسبب برنامجها النووي مقابل تخلي ايران عن أغلب عناصر هذا البرنامج النووي : وقف اغلب اجهزة التخصيب، وتحديد القدرة على تخصيب اليورانيوم ب 3،67% فقط وبمخزون من اليورانيوم لا يتجاوز 300كغم، والتخلص من الكميات المخصبة بنسبة 20%، وإعادة بناء مفاعل آراك ليستخدم وقودا لا يتجاوز تخصيبه 3،67% وتخفيض قدرته (كي لا ينتج البلوتونيوم المستخدم في صناعة القنبلة الذرية)، ومنع ايران من بناء مفاعلات طاقة تعمل بالماء الثقيل، وشحن الوقود المستنفذ من مفاعلاتها الى الخارج، وحرمان ايران من دورة الوقود النووي لخمسة عشر عام مقبلة، وتنفيذ البروتوكول الإضافي الذي يسمح للوكالة بالتحقق التام من أنشطة ايران النوية من خلال التفتيش المفاجيء والوصول الى جميع المواقع، ومنع ايران من المشاركة في أي نشاط، بضمنه البحث والتطوير، يتعلق بتطوير جهاز نووي متفجر، بضمن ذلك أنشطة تعدين اليورانيوم. وتضمن الإتفاق أيضا أن تتعاون إيران مع الوكالة لحل المسائل المعلقة في برنامجها النووي السابق، وهو الأمر الذي بدأته ايران والوكالة منذ كانون الثاني/يناير 2012 ضمن إتفاق (النهج المنظّم) ثم إتفاق (أطار التعاون) وإستمر لغاية تموز/يوليو 2015 دون تحقيق تقدّم يذكر.
7 – وإستنادا الى خطة العمل المشتركة الشاملة، اتفقت ايران والوكالة يوم 14/7/2015، على (خارطة طريق) لحل المسائل المعلقة من خلال تقديم ايران التوضيحات والوثائق بشان المسائل المعلقة المذكورة في تقرير الوكالة في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، على ان تنجز ايران تقديم المعلومات والوثائق والتوضيحات في 15/10/2015، وتقدم الوكالة تقريرها النهائي الى مجلس المحافظين. (خارطة الطريق منشورة في موقع الوكالة ورقمها "GOV/INF/2015/14").
الاّ أن ايران، كعادتها، قدمت معلومات ناقصة ومضللة، مما إضطر الوكالة الى تقديم تقييمها النهائي، والذي سيقدم الى إجتماع مجلس محافظي الوكالة يوم 15/12/2015. التقييم تضمن الإستنتاجات الرئيسية الآتية:
· كان هناك هيكل تنظيمي في ايران، قبل 2003، لتنسيق مجموعة من الأنشطة ذات الصلة بتطوير جهاز متفجر نووي (قنبلة نووية)، وإن بعض هذه الأنشطة تواصلت بعد 2003.
· المتفجرات المجهزة بسلك قنطرة التفجير التي طورتها ايران لها خصائص تتعلق باجهزة تفجير نووية.
· إن تكنولوجيا البدء متعدد النقاط التي طورتها ايران لها خصائص تتعلق بجهاز متفجر نووي.
· لم تعثرالوكالة على اسطوانة الإختبار الهيدروديناميكي لجهاز متفجر نووي في موقع (بارشين)، وهي الإسطوانة التي اكدت وجودها في الموقع صور الأقمار الصناعية، كما أن إدعاء ايران بإن المبنى المحدد في موقع بارشين كان يستخدم لخزن المواد الكيمياوية لم تثبت صحّته.
· أجرت ايران نمذجة حاسوبية لجاز متفجر نووي قبل عام 2004، وفيما بين عامي 2005 و 2009.
· تحققت الوكالة من الورشتين اللتين اجريت فيهما تجارب لمعرفة كيفية دمج شحنة نووية كروية داخل غرفة الحمولة الخاصة بالمركبة العائدة للصاروخ (شهاب3).
وخلص تقييم الوكالة النهائي الى أن (طائفة من الأنشطة تتعلق بتطوير جهاز متفجر نووي تم الإضطلاع بها في ايران قبل نهاية عام 2003 كجهود منسقة، وتم الإضطلاع ببعض الأنشطة بعد عام 2003).
وبغض النظر عما سيتخذه مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إزاء هذا التقييم النهائي، فإن هذا التقييم كشف بما لا يقبل اللبس إنخراط إيران في برنامج لإنتاج الأسلحة النووية ووسائل إيصالها، وهو الأمر الذي كانت تنفيه إيران بشدة وتدّعي ان فتوى المرشد تحرّم عليها صناعة وإستخدام أسلحة الدمار الشامل.
ثالثا : دروس من معركة (ولاية الفقيه) الخاسرة في الملف النووي
1 – لقد جاء تقييم الوكالة عن برنامج ايران النووي ليضيف هزيمة جديدة لسياسات ولاية الفقيه الإقليمية والدولية، وهذه الهزيمة الأخيرة ضربت في الصميم مصداقية النظام الايراني وتعهداته وفتاوى مرشده.
2 - إستخدم الدبلوماسيون الإيرانيون فتوى (المرشد) بتحريم إنتاج وإستخدام اسلحة الدمار الشامل أداة لرد الإتهامات عنهم ولإعطاء ضمانات للدول الأخرى بإن ايران لن تلجأ مطلقا الى صناعة أو حيازة أو إستخدام أسلحة الدمار الشامل، وإدعى وزير الخارجية الإيراني علي اكبر صالحي في مقال له في صحيفة "واشنطن بوست" في 12 نيسان/ابريل 2012 إن هذا الموقف ليس جديدا بل هو "موقف ثابت لجمهورية إيران الإسلامية"، حيث كتب : (منذ سبع سنوات تقريبا اصدر المرشد الأعلى فتوى دينية تحرّم انتاج أو تخزين أو إستخدام أسلحة الدمار الشامل، وهذا الموقف من أسلحة الدمار الشامل ليس جديدا، بل هو موقف ثابت جرى إختباره عندما هاجمنا صدام حسين بالأسلحة الكيمياوية في الثمانينات لم نرد بهذه الأسلحة).
3 - إنّ التمعّن في هذه (الفتوى) يوضح أنها أولا مقحمة على تعاليم الإسلام، فالإسلام لا يحرم على المسلمين حيازة سلاح يمتلكه عدوهم ويهددهم به، بل يدعو لإن يعدّ المسلمون ما يستطيعون من قوة لردع اعدائهم. ومن جانب آخر، فإن ايران لا تحتاج الى فتوى في مجال أسلحة الدمار الشامل، فهي ملزمة بموجب المادة الثانية من معاهدة عدم إنتشار الأسلحة النووية التي إنضمّت اليها عام 1970 (بعدم صنع أية أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة أخرى أو اقتنائها بأية طريقة أخرى؛ وبعدم التماس أو تلقي أي مساعدة في صنع أية أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة أخرى). وهذا الإلزام يترافق مع التزام آخر في المادة السادسة من الإتفاقية لجميع الدول الأطراف في الإتفاقية (نووية وغير نووية) (بمواصلة إجراء المفاوضات اللازمة، بحسن نية، عن التدابير الفعالة المتعلقة بوقف سباق التسلح النووي في موعد قريب وبنزع السلاح النووي، وعن معاهدة بشأن نزع السلاح العام الكامل في ظل مراقبة دولية شديدة فعالة).
أما بالنسبة للأسلحة الكيمياوية والبايولوجية، فإيران طرف في إتفاقيتي الحظر الشامل والتام لهذه الأسلحة، ولا تحتاج الى فتوى لتأكيد التزامها فيهما، ولذا لا يمكن تفسير الفتوى بغير أن ايران تريد أن تقول للمجتمع الدولي إن فتوى المرشد والقانون المحلّي الإيراني لهما علوية على القانون الدولي، وهذا يؤشر غطرسة وتعاليا وخللا خطيرا في نظرة ولاية الفقيه الى العلاقات الدولية والتزامات إيران بموجبها.
4- الوقائع تقول إنّه لا الفتوى ولا القانون الدولي منعا ولاية الفقيه من خرق التزاماتها (الشرعية) والقانونية، فإيران أنتجت الأسلحة الكيمياوية وإستخدمتها في الحرب العراقية الإيرانية، وقرار مجلس الأمن 620 الصادر بتاريخ 26/8/1988 يقول (وإذ يساوره القلق البالغ مما خلصت اليه البعثات من نتائج تفيد بإن الأسلحة الكيمياوية إستعملت بصورة مستمرة في النزاع بين جمهورية ايران الإسلامية والعراق). ورفسنجاني (الذي كان وقتها رئيس البرلمان الإيراني) أقرّ خلال لقائه الأمين العام للأمم المتحدة خافير ديكويلار في آذار 1985 بإمتلاك ايران للأسلحة الكيمياوية، حيث قال (منشآتنا لإنتاج الأسلحة الكيمياوية أكثر تطورا من منشآت العراق لكننا لا نريد إستخدام هذه الأسلحة) "المصدر مذكرات وكيل الأمين العام للأمم المتحدة جيادومينيكو بيكو Giadomenico Picco)) في كتابه رجل بلا سلاح (Man without a gun) الصادر عن دار النشر Times Books عام 1999الصفحة 67".
أما عن السلاح النووي فإن تقييم الوكالة اعلاه يدحض كل إدعاءات إيران بشأن تحريم حيازة أو إنتاج السلاح النووي.
5- بالغ بعض العرب، سامحهم الله، في إطراء المفاوض الإيراني وحنكته، ونسوا أن نجاح المفاوض يعتمد بالأساس على عدالة القضية التي يدافع عنها، وايران ولاية الفقية إختارت منذ البداية سياسات الهيمنة والغطرسة ومعاداة جيرانها العرب والدفاع عن قضايا خاسرة واللعب على التناقضات والتحرك على الضد من منطق التاريخ، وكان منطقيا ان هذه الأهداف غير المشروعة يرافقها إستخدام وسائل غير مشروعة، لذلك بالغت ولاية الفقيه في استخدام (التقية) والنفاق السياسي والتضليل والإبتزاز حتى فقد المفاوض الايراني مصداقيته، وها هي اليوم تنفضح وتنعزل وتخسر في كل محفل تفاوضي تشارك فيه، وهذا دعا (المرشد الأعلى) لإصدار فتوى جديدة يوم 7/10/2015 قال فيها إن (التفاوض مع أمريكا ممنوع لما فيه من أضرار لاتعد ولاتحصى، ولأنه غير مجدٍ). وبالتأكيد سيغير المرشد موقفه يوما ما لإن السياسة الإيرانية لا ثوابت لها.
والله المستعان
|
Wednesday, 9 December 2015
فتوى (أمانو) تطيح بفتوى (خامنئي)
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
ﺷﻜﺮا ﻟﻜﻢ. ﻳﺮﺟﻲ اﻋﻂﺎ ﺗﻌﻠﻴﻘﻚ
ReplyDelete