أشعلت الأزمة الأخيرة بين المملكة العربية السعودية وإيران، حرباً إعلامية أخذت منحىً وضع الإعلام العربي بمعظمه في مواجهة مباشرة مع الآلة الإعلامية الإيرانية.
فأمام تركيز الأخيرة على اتهام السعودية بانتهاك حقوق الإنسان بإعدامها السعودي نمر النمر، وتغافلها عن حبل الإعدامات الإيراني الذي يعلَّق سنوياً على رقاب المئات بتهم بعيدة عن "الإرهاب" (المثبتة ضد النمر)، وسط تنديد دولي لا يجد مساحة في نشرات أخبار فضائيات طهران، يتفق الإعلام السعودي بالمقابل مع العربي والدولي في إدانة الاعتداء على مقار الدبلوماسية السعودية في إيران.
إيران تعتمد "التخريب" أو "التحريض"
بعد أيام قليلة على بدء التصعيد بين الطرفين على جميع الأصعدة، تعرض موقع "العربية نت" التابع لفضائية "العربية" السعودية، لسيطرة "قراصنة" لعدة ساعات، الثلاثاء، فيما يبدو أنه انتقام من "قراصنة" مدفوعين من إيران.
حيث نشر القراصنة على صفحة الموقع الرئيسية عدة عناوين مسيئة للسعودية، وأخرى منددة بالقضاء السعودي وبأحكام الإعدام التي طالت النمر وثلاثة شيعة آخرين.
وتعتمد إيران على مواجهة الآلات الإعلامية المعارضة لها بصورة "لا مهنية"، إذ منذ عام 2011 أطلقت إيران عملاءها لتجنيد قراصنة محترفين، بإغرائهم بمبالغ مالية طائلة، للعمل ضمن فريق الجيش الإلكتروني أو السايبر الإيراني، وعزز من صحة خطوات التجنيد، ما قاله العضو السابق في الحرس الثوري الإيراني محسن سازيغارا، من أن النظام الإيراني يدفع حوالي 10 آلاف دولار شهرياً لهؤلاء.
ووفق تقارير إسرائيلية فإن إيران رصدت على الأقل مليار دولار للحصول على تقنيات وتكنولوجيا، وتجنيد وتدريب خبراء لتطوير قدراتها في الحرب الإلكترونية، عزز ذلك ما صرح به العميد "قولامريزا جلالي" من أن بلاده ستقاتل العدو حتى في الفضاء الإلكتروني وعبر حروب الإنترنت.
وكان لوسائل إعلام سعودية وعربية، النصيب الأكبر من الهجمات الإلكترونية الإيرانية، إذ تعرضت مؤسسات إعلامية واقتصادية لمثل تلك الهجمات، منها: الموقع الإلكتروني لصحيفة الحياة، وتعطيل آلاف أجهزة الحاسب في الشركة السعودية للنفط "آرامكو"، وشركة رأس غاز القطرية للغاز الطبيعي.
وفي مايو/أيار الماضي، نقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر مسؤول في المركز الوطني للأمن الإلكتروني بوزارة الداخلية قوله: إن "العديد من المواقع الإلكترونية الحكومية في المملكة ومن بينها موقع بوابة وزارة الداخلية، تعرضت خلال الأيام الماضية لهجمات إلكترونية منسقة ومتزامنة".
أما على صعيد التلفيق وشيطنة السعودية، فلم تبدأ إيران بحربها على خلفية الأزمة الأخيرة؛ بل عملت عبر عدة قنوات توظفها ومنذ أعوام لإشاعة تهم التحريض والتشدد وغياب الحريات والتسبب بأزمات في المنطقة ضد السعودية.
من جهتها، تجتهد السعودية منذ سنوات لإيقاف المد الإعلامي "المحرض" الذي تمارسه إيران عبر دعم مؤسسات ناطقة بالعربية مثل: العالم، المنار ذات الهوية اللبنانية، ووكالاتها الناطقة بالعربية، وغيرها الكثير.
السعودية تواجه بمساندة عربية
ومع تصاعد التحشيد الإعلام الإيراني ضد المملكة مؤخراً، لم يأت الرد السعودي منفرداً، فقد دان اتحاد إذاعات الدول العربية التصرفات والتصريحات الإيرانية التي وصفها بـ"غير المسؤولة" تجاه السعودية.
وأكد على لسان رئيسه محمد عبد المحسن العواش، أن "الاتحاد بوصفه اتحاداً مهنياً عربياً سيولي هذه القضية اهتماماً واسعاً لفضح الادعاءات الإيرانية أمام العالم، وبيان زيفها وكذب توجهها أمام الشعوب العربية والإسلامية".
وأعرب عن تضامن ووقوف الإعلام العربي إلى جانب الإعلام السعودي "في خندق واحد ضد الهجمة الإعلامية الإيرانية الشرسة، التي تستهدف زعزعة أمن واستقرار المملكة ودول الخليج العربية والدول العربية بصفة عامة".
وتعمل السعودية على مواجهة الإعلام الإيراني، بالإعلام الموجه باللغة الفارسية، حيث أصدرت منذ العام 2013 النسخة الفارسية من صحيفة الشرق الأوسط في عددها على الإنترنت، وأطلقت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) نسخة فارسية أيضاً.
كما أُعلن منذ يوليو/تموز الماضي، أن وزارة الثقافة والإعلام السعودية تضع اللمسات الأخيرة على إطلاق ثلاث قنوات إخبارية جديدة في إطار سياستها الإعلامية التي تسعى لإعادة تقييم قوتها الإعلامية عربياً ودولياً، حيث سيتم إطلاق قناتين إخباريتين؛ الأولى باللغة الإنجليزية والثانية باللغة الفارسية، وستكونان تحت إدارة خاصة بعيداً عن التلفزيون الرسمي.
ولأن التشويه الإيراني للحقائق لم يكن حديثاً، فقد قامت السعودية بحظر مواقع كل من وكالة أنباء فارس قبل أشهر في المملكة، وموقع قناة المنار في الخامس من الشهر الحالي بعد الأزمة الأخيرة.
ولم يكن الأمر بهذا القدر فقط، حيث أجمع أعضاء الجمعية العامة لاتحاد إذاعات الدول العربية التابع للجامعة العربية، في دورتها العادية الـ 35 التي انعقدت في التاسع من الشهر الماضي؛ على طرد واستبعاد المجموعة اللبنانية للإعلام "قناة المنار" و"إذاعة النور" من عضوية الاتحاد فوراً، معتبرة أنها بعيدة عن الذكاء الإعلامي تجاه المملكة العربية السعودية والدول الأعضاء العاملين.
واتهم رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون المكلف، عبد الملك الشلهوب، قناة المنار (تابعة لحزب الله)، بأنها تقوم "لا سيما بعد أحداث عاصفة الحزم، بشن هجوم شرس على المملكة بشكل خاص، وجميع دول التحالف بشكل عام، مستخدمة أقذر الألفاظ، وأساليب التشويه، ووسائل التفرقة، والتحريض على شق الصف والنزاعات الوطنية، ما دعا هيئة الإذاعة والتلفزيون إلى الكتابة إلى الاتحاد للنظر في إسقاط وإبعاد عضوية هذه المجموعة من الاتحاد".
وتابع: "إن هذا القرار يأتي نظراً لما تنتهجه هذه المجموعة من شق للصف الإعلامي العربي وبذر الفتنة وإثارة القلاقل، وسلوك نهج الفرقة والتحريض، وابتذال لميثاق الشرف الإعلامي، وتحطيم للأعراف المهنية".
قراصنة سعوديون
من جهتها، أعلنت جماعة من القراصنة الإلكترونيين السعوديين، اختراق موقع وكالة أنباء "فارس" الإيرانية، في أبريل/نيسان الماضي، وأنها منعت إمكانية تصفح الموقع.
وقال الهاكرز السعودي، الذين أطلقوا على أنفسهم اسم "العوجا هاكرز"، تزامناً مع عاصفة الحزم التي استهدفت المليشيات الحوثية في اليمن: إن "العوجا هاكرز عصفت بمواقع الوكالات الفارسية"، وقد شمل الإيقاف موقع الوكالة باللغات الفارسية والإنجليزية والأفغانية والتركية والعربية.
No comments:
Post a Comment