لا يستطيع قادة إيران وهم يصرخون تنديدا بإعدام رجل الديني السعودي الشيعي نمر باقر النمر ضمن أحكام بالإعدام طالت 47 ممن أدانهم القضاء السعودي بارتكاب أعمال إرهابية، إخفاء حالة من النفاق السياسي التي يكتسيها موقفهم من هذا الإعدام. وهو موقف يقول محللون إنه يزيد في تعرية الوجه القبيح للسياسة الإيرانية التي أغرقت المنطقة في حرب طائفية لا تبدو لها نهاية في الأفق القريب.
ومن يستمع لتعليقات هؤلاء القادة بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، وتهديداتهم المبطنة للسعودية، يخيل إليه أنه بصدد دولة نموذجية في احترام حقوق الإنسان وقد قطعت بشكل نهائي مع الإعدامات العشوائية والتي تستهدف منذ عقود طائفة دون أخرى وعرق دون عرق آخر، وأدا لأي نفس تحرري يريد تحقيق الحد الأدنى من حقوقه الدينية والثقافية إذ في إيران لا صوت يعلو على صوت "الفارسي" و"الشيعي الاثناعشري".
ويقول مراقبون إن الإحصاءات المذهلة عن الإعدامات الطائفية والعرقية التي تمارسها طهران بحق طيف واسع من سكانها يضعها بموضع آخر دولة يحق لها التدخل في شؤون السعودية التي تشدد على أن "حكم القصاص حق أصيل لها تفرضه الشريعة الإسلامية، وأن النمر مواطن سعودي ويحاكم على أرض سعودية وخضع خلال محاكمته لإجراءات قضائية عادلة انتهت بالقصاص، لتخليص المجتمع من أفكاره المنحرفة"، أو كما قالت المحكمة في حيثيات الحكم بأن "شره لا ينقطع إلا بقتله".
ويؤكد المراقبون على "أن حصيلة الإعدامات كانت مذهلة في إيران في النصف الأول من العام 2015 وترسم صورة شريرة لأجهزة الدولة لقيامها بالقتل مع سبق الإصرار، عن طريق الأحكام القضائية على نطاق واسع".
ويعتبر عرب الأهواز من أولى ضحايا نظام إيران "الإسلامية"، حيث قمعت الحكومة المؤقتة التي شكلها الخميني في بداية الثورة عام 1979 انتفاضتهم السلمية التي طالبوا خلالها بإقامة حكم ذاتي لإقليم عربستان (الأحواز).
وقد ارتكب الجنرال أحمد مدني (حاكم الإقليم في حينه) مجزرة راح ضحيتها أكثر من 817 قتيلا، وما يقارب 1500 جريح، وآلاف من المعتقلين.
ويقول محللون إن طهران لا تستطيع وراء هذا الاحتجاج على إعدام النمر إخفاء سياساتها العنصرية والطائفية ضد شعوبها في الأحواز وفي بلوشستان وكردستان، وهي المناطق التي تشهد دائما حركات احتجاجية مناهضة للأسلوب القمعي الدموي الذي تمارسه ضدها السلطات الإيرانية.
وتشير أراقم نشرتها منظمات حقوقية دولية إلى أن السلطات الإيرانية نفذت حكم الإعدام بحق عددد مذهل من الأشخاص يبلغ 694 شخصا بين 1 يناير/كانون الثاني و15 يوليو/تموز 2015، في ارتفاع غير مسبوق لعدد عمليات الإعدام في البلاد. وهذا الرقم يعادل إعدام أكثر من ثلاثة أشخاص يوميا.
وكان تقرير أممي أشرف على إعداده الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في العام 2014 ورفعه إلى الجمعية العامة، قد أكد أن أبناء الأقليات العرقية والدينية في إيران تعرضوا لانتهاكات ومضايقات واعتقالات على يد الحكومة الإيرانية.
واستند بان كي مون في التقرير إلى تنفيذ السلطات الإيرانية أحكام الإعدام بحق النشطاء الأحوازيين من أهل السنة وسائر النشطاء من أبناء الأقليات الأخرى.
وجاء في تقرير كي مون أن الأقليات في إيران "تتعرض بشكل كبير للتمييز على أساس انتماءاتها العرقية أو معتقداتها الدينية أو آرائها المعارضة، ويتلقى بعضها عقوبات قاسية".
وأشار إلى أنه تم إعدام عدد من السجناء السياسيين الذين ينتمون إلى القوميتين العربية والبلوشية منذ أيلول/ سبتمبر 2013، إثر محاكمات لم تراع فيها المعايير الدولية المتبعة في الإجراءات القانونية الواجبة.
وفي 21 شباط/فبراير 2014، أعربت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان عن القلق إزاء ما تردد عن تنفيذ حكم الإعدام سرا في كانون الثاني/يناير 2014 بحق الشاعر الأحوازي الشهير هاشم شعباني والأحوازي الآخر هادي راشدي، وذلك عقب إجراءات قانونية لم تستوف المعايير الدولية المتبعة للمحاكمة العادلة.
وأفاد التقرير الأممي بأن الرجلين حكم عليهما بالإعدام "بتهم المحاربة (العداء لله) والإفساد في الأرض، والقيام بأعمال تخل بالأمن القومي".
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2013، أفيد بأن 20 ناشطا كرديا على الأقل ينتظرون الإعدام، وفق التقرير.
وتطرق التقرير أيضا إلى ازدياد حالات الإعدام في العام 2012، وإجراء محاكمات غير عادلة استنادا إلى اتهامات لا تبرر حكم الإعدام، أو أحكاما طويلة الأمد بالسجن، حيث تشكل تلك الأحكام انتهاكا صارخا للقانون الدولي والإنساني، وفق كي مون.
وتردد أن المحكوم عليهم بالإعدام كثيرا ما يحرمون من الاستئناف، وتجري المحاكمات في الكثير من الأحيان خلف أبواب مغلقة، ولا تزال الاعترافات المنتزعة بالإكراه والتعذيب تستخدم كأدلة إثبات في إجراءات المحكمة، بحسب التقرير الأممي.
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى إعدام عدد من الأفراد سرا، دون أن يعلم أقرباؤهم، وفي بعض الحالات لم تسلم أجساد الضحايا إلى أسرهم لدفنهم حسب الأصول، وطبقا للشعائر الدينية.
واستند التقرير الأممي إلى أنه جرى تنفيذ أكثر من 197 إعداما في الفترة بين الأول من كانون الثاني/يناير و10 حزيران/يونيو 2014، وجرى إعدام معظمهم سرا.
وتشير التقديرات إلى أن السلطات الإيرانية نفذت حوالي 814 عقوبة إعدام خلال السنة الأولى من حكومة الرئيس الإيراني الحالي، حسن روحاني، وبهذا الرقم تكون عمليات الإعدام ارتفعت بنسبة 47% مقارنة مع السنة الأخيرة من حكومة أحمدي نجاد التي شهدت تنفيذ 553 عقوبة إعدام.
ويعتبر هذا العدد رقما قياسيا جديدا خلال الـ15 عاما الأخيرة في إيران، حيث تم تنفيذ عقوبة الإعدام في حق 19 امرأة و16 شخصا من بين الذين ارتكبوا الجريمة في سن أقل من 18 عاما، وأُعدموا بعد بلوغهم الثامنة عشرة.
وتجمع التقارير الحقوقية الدولية على ان العشرات إن لم يكونوا مئات ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيهم حاليا بعيد عن أي رقابة ولن يكون من الممكن حتى مجرد إحصاء جثثهم بعد اعدامهم بتهم "الافساد في الارض او التحريض" عقابا لهم على مطالباتهم بحقوقهم السياسية والدينية والثقافية لأن طهران لا ترى فيهم إلا مواطنين من درجة سفلى لا يحق لهم التمتع بحقوق المواطن من درجة أولى.
ويقول مراقبون إن ما ترصده هذه التقارير يعكس جانبا قليلا مما تعانيه الأقليات على الأراضي الإيرانية لاسيما العربية منها والأحوازية.
No comments:
Post a Comment